أصبح التحول الرقمي في هذه الآونة يمثل أولوية هامة جدا للمؤسسات والجهات الحكومية والإدارات من جميع المستويات وفي جميع القطاعات. ومن الملاحظ أن هناك عددا قليلا جدًا من هذه المؤسسات من حققت تطورها بكل تأكيد بفضل تحولها الرقمي. وقد بات من المهم معرفة درجة النضج الرقمي الخاصة لتنفيذ هذا التحول الرقمي من حيث التنظيم وتجارب المستخدمين الرقميين ومختلف التقنيات.
ويتم تعريف النضج الرقمي على أنه “العملية التي تتعلم من خلالها أي مؤسسة التفاعل بشكل إيجابي مع البيئة التنافسية الناشئة”. بمعنى آخر، أن النضج الرقمي هو القدرة على وضع التقنيات الجديدة الرقمية في خدمة الموظفين وتجارب الزبائن والشركاء. وغالبًا ما يُستخدم هذا المفهوم عند الإشارة إلى التحول الرقمي لمؤسسة ما من أجل تحسين أدائها الإنتاجي ومردوديتها.
وفي المشهد الرقمي سريع التطور اليوم، تواجه المؤسسات والجهات الحكومية حتمية تقييم نضجها الرقمي. لأن فهم مستوى الاستعداد الرقمي لهم يعد أمرًا بالغ الأهمية لتحسين العمليات وتحسين خدمات المواطنين والحفاظ على المنافسة. ولحسن الحظ ، ظهرت مجموعة من الأدوات والتقنيات والمؤشرات لمساعدة المؤسسات على قياس نضجها الرقمي بدقة وشمولية. سواءً كانت هذه المؤشرات أو الأدوات محلية داخل المملكة أو خارجها عالمياً، دعونا الأن نتعرف على بعضاً منهم كالتالي:
1- نماذج النضج الرقمي
توفر نماذج النضج الرقمي إطارًا منظمًا لتقييم القدرات الرقمية للمؤسسات عبر أبعاد مختلفة، حيث تتضمن هذه النماذج عادةً تقييم عوامل مثل الإستراتيجية والقيادة والثقافة والعمليات والتقنية، وهذه النماذج متعددة، سواء كانت أُطر أو مؤشرات، فعلى سبيل المثال:
محلياً
مؤشر نضج التجربة الرقمية للخدمات الحكومية
من ضمن المؤشرات الشهيرة لقياس النضج الرقمي للجهات الحكومية والمؤسسات والتي وضعتها هيئة الحكومة الرقمية داخل المملكة هو “مؤشر نضج التجربة الرقمية للخدمات الحكومية“
تسعى هيئة الحكومة الرقمية من خلال هذا المؤشر إلى تحقيق عدد من الأهداف ومن أهمها رفع مستوى نضج المنصات و الخدمات الحكومية الرقمية وفقاً للمناظير الثلاثة لنضج التجربة الرقمية، وهي:
- رضا المستفيد.
- تجربة المستخدم.
- التعامل مع الشكاوى.
وتُعرِف الهيئة عملية نضج التجربة الرقمية بأنه نتيجة تفاعل المستفيد مع الجهات الحكومية والانتفاع من خدماتهم عبر القنوات الرقمية المختلفة والذي يؤثر على مدى رضا المستفيد عن جودة هذه التجربة. ونظراً لدور التجربة الرقمية في رفع رضا المستفيد وتحسين جودة الخدمات الحكومية المقدمة؛ فقد رأت الهيئة ضرورة العمل على تطوير منهجية لتقييم نضج هذه التجربة من خلال أبعاد مختلفة تواكب التوجهات الاستراتيجية للحكومة الرقمية والتغيرات الوطنية والدولية.
وبناءً على ما سبق؛ أطلقت الهيئة هذا المؤشر بشكل سنوي لقياس مدى نضج المنصات والخدمات الحكومية الرقمية وفقاً لعدد من المناظير والمحاور الرئيسة، ليعمل هذا المؤشر كأحد الأدوات والممكنات لتحقيق التوجهات الاستراتيجية من خلال تحليل النتائج وتحديد المحاور التي قد تتطلب رفع مستوى نضجها، وتقديم التوصيات لتـحسيـنها، كما أن من شأنه تسليط الضوء على المنصات والخدمات الحكومية الرقمية ذات النضج العالي، والتي من الممكن اعتبارها قصص نجاح وطنية، والاستفادة من تجاربها ونماذج أعمالها. ويتم تطوير هذه المناظير والمحاور في كل دورة لضمان مواكبة التوجهات الحديثة للتجربة الرقمية.
نموذج النضج الرقمي من Gartner (Gartner Digital Government Maturity)
أحد النماذج المستخدمة أيضاً على نطاق واسع للنضج الرقمي هو النموذج الصادر عن جارتنر والذي يحدد خمس مراحل للنضج الرقمي وهم كالتالي:
- مرحلة الأولويات
- مرحلة التطوير
- مرحلة التحديد
- مرحلة الإدارة
- مرحلة التحسين
مؤشر نضج الأعمال الرقمية MIT Sloan
مؤشر نضج الأعمال الرقمية لمعهد ماساتشوستس للتقنية (MIT Sloan Digital Business Maturity Index) هو أداة تقييم تستخدم لقياس وتحليل نضج المؤسسات والجهات الحكومية فيما يتعلق بالتقنيات والأعمال الرقمية. يهدف المؤشر إلى تقييم مدى تكامل وتطور المؤسسات والجهات في استخدام التقنيات في مختلف جوانب أعمالها، بما في ذلك استخدام البيانات، والتحول الرقمي، والابتكار التقني، والثقافة المؤسسية، وتواجد المؤسسات على الإنترنت، وتجربة العملاء الرقمية.
إطار تقييم التحول الرقمي الخاص بـ Deloitte (Deloitte Digital Maturity Model)
إطار تقييم التحول الرقمي الخاص بشركة Deloitte، والمعروف باسم Deloitte Digital Maturity Model، هو أداة تقييم تستخدم لقياس وتحليل نضج المؤسسات في العصر الرقمي. ويهدف الإطار إلى تقييم نضج المؤسسات فيما يتعلق بتبني التقنية الرقمية وتكاملها في استراتيجية الأعمال.
2- تقييمات القدرة الرقمية
تقييمات القدرة الرقمية تشتمل على تقييم قدرة المؤسسة على الاستفادة بشكل فعال من التقنيات الرقمية المستخدمة لديها. ويتضمن هذا التقييم عادةً تحليل عوامل مثل البنية التحتية الرقمية وإدارة البيانات والأمن السيبراني وتجربة المستخدم والمهارات الرقمية داخل القوى العاملة. ويمكن للمؤسسات إجراء استبيانات التقييم الذاتي، أو إشراك مستشارين خارجيين لتقييم الخبراء، أو حتى الخضوع لتدقيق طرف ثالث لتقييم قدراتهم الرقمية. وتوفر هذه التقييمات رؤى قيمة حول نقاط القوة والضعف في المؤسسة، مما يسمح لهم بتحديد أولويات جهود التحول الرقمي وفقًا لذلك.
3- تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي
تمكّن أدوات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي المؤسسات من جمع وتحليل البيانات المتعلقة بعملياتها الرقمية. حيث يمكن أن تولد هذه الأدوات رؤى قيمة حول سلوك المستخدم ومؤشرات الأداء له في استخدام الخدمات او الأنظمة التي تقدمها المؤسسة أو الجهة الحكومية، ويمكن أيضاً أن تقوم عن طريق استخدام الذكاء الاصطناعي بمعرفة كيف يفكر المستخدم؟ ما هي الأشياء المفيدة له حقاً، ومن خلال الاستفادة من تحليلات البيانات، يمكن أيضاً للمؤسسات والجهات الحكومية اتخاذ القرارات المستنيرة المستندة على تلك البيانات، وتحسين العمليات، ودفع التحسين المستمر في نضجها الرقمي. على سبيل المثال، يمكن أن تكشف هذه البيانات عن تحليلات الأنماط في تفاعل المستخدم، وتسليط الضوء على المجالات التي يواجه فيها المواطنون صعوبات، وتحديد فرص الخدمات الشخصية. ويجب العلم أن هذه الأفكار تساهم في صنع القرار القائم على الأدلة، مما يساعد المنظمات على تعزيز استراتيجياتها ومبادراتها الرقمية.
أبرز التوصيات للوصول للكمال في النضج الرقمي
بناءً على ما قدمته هيئة الحكومة الرقمية داخل المملكة من نصائح للوصول لمرحلة الكمال في النضج الرقمي وذلك بناءً على ما رأته الهيئة من جميع المؤسسات التي وصلت لتلك المرحلة داخل مؤشر نضج التجربة الرقمية للخدمات الحكومية، أوضحت أنهم قاموا بالتركيز على ما يلي:
- إتاحة قنوات التواصل المختلفة، والتي يمكن من خلالها التفاعل مع المستفيدين و الاطلاع على آرائهم، والأخذ بصوت المستفيد كأحد المدخلات المهمة للتطوير والتحسين للمنصة الحكومية وخدماتها الرقمية، من أجل الوقوف على التحديات التي يواجهها المستفيدون، وتطوير الخطط الملائمة للتغلب عليها.
- العمل على إطلاق حملات ومبادرات توعوية وتسويقية للتعريف بالمنصات الحكومية وخدماتها الرقمية وتعزيز استخدامها، والوصول الأشمل للجمهور عن طريق تنويع الوسائل التي تُجمع من خلالها آراء المستفيدين، سواء عبر البوابة الرقمية أو تطبيقات الأجهزة الذكية، بحيث تبدأ الاستفادة من آرائهم منذ المراحل الأولى لتطوير المنصة وتصميم خدماتها.
- الارتباط بالأنظمة والخدمات الحكومية المشتركة؛ لتعزيز كفاءة الإنفاق والاستخدام الأمثل للموارد الحكومية، وذلك عن طريق إتاحة خدمة الدفع الإلكتروني وقنواته المتعددة، إضافة لما يتم تقديمه من قنوات دفع أخرى -في حال توفرها-، وتفعيل خدمة الدخول عبر النفاذ الوطني الموحد؛ للتسهيل على المستخدمين الوصول للمنصة الرقمية وتوحيد التجربة على صعيد الحكومة الرقمية.
- الاستمرار في تطبيق مفاهيم “التمركز حول المستخدم” عند تطوير وتحسين المنصات الحكومية، وذلك من خلال تحليل احتياجاته وتحسين تجربته، وبما ينعكس إيجابياً على جودة الخدمات المقدمة ورضا المستفيد، كما يتم إشراك المستخدم النهائي في تطوير وتصميم هذه الخدمات.
- تسريع وتيرة التطبيق لمعايير إمكانية الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة على مستوى القطاع الحكومي؛ لما لذلك من تأثير إيجابي على مركز المملكة في المؤشرات الدولية، والاهتمام بتطبيق عدد أكبر من المعايير والمبادئ التوجيهية لسهولة الوصول (Web Content Accessibility Guidelines) والتي أطلقتها رابطة الشبكة العالميةW3C ، وذلك بهدف تحقيق مستويات متقدمة والوصول إلى المستوى (AA) وهو المستوى الثاني، ومن ثم مستوى (AAA) وهو المستوى الثالث، من أجل جعل محتوى الإنترنت أكثر سهولة من خلال استخدام الأدوات والتقنيات المساعدة.
- تحسين وتطوير منظومة الشكاوى التي تدعم المنصات الحكومية، والاستعانة بأنظمة متقدمة ومترابطة تُسهّل عمليات التحليل، وتعزز الأداء والتواصل والاستجابة مع المستفيدين بشكل فعّال.
- العمل على استقطاب القدرات ذات الكفاءة لتعزيز فرق الدعم الفني، وتقديم التدريب والتأهيل المستمر لهم لضمان سرعة وفاعلية الاستجابة للمستفيدين، والعمل على وضع الآليات المناسبة، وتحسين الإجراءات لمنظومة الشكاوى؛ لما سيترتب على ذلك من رفع جودة الحلول المُقدّمة، وانعكاسها على رفع رضا المستفيد.
- الاستمرار في الالتزام بالسياسات والمعايير المعتمدة من هيئة الحكومة الرقمية، والاستعانة بالأدلة الإرشادية التي تقدمها في هذا الشأن.
إعداد فريق PSH شركة أفاق الجانب الايجابي الكلمات المفتاحية: النضج الرقمي، التحول الرقمي، فوائد التحول الرقمي